فصل: التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
وفي {مَولاكُمُ} وجهان:
أظهرهما: أنَّ {مَولاكُم} هو الخبر، و{نِعْمَ المَوْلَى} جملةٌ مستقلةٌ سيقت للمدح.
والثاني: أن يكون بدلًا من {اللَّه} والجملةُ المدحيَّةُ خبر لـ {أنَّ} والمخصوصُ بالمدح محذوف، أي: نِعْمَ المولى اللَّهُ، أو ربُّكُم.
وكلُّ ما كان من حماية هذا المولى، ومن كان في حفظه، كان آمنًا من الآفات مصونًا عن المخوفات. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)}
فإن أَبَوْا عُتُوَّا، وعن الإيمان إلا نُبُوَّأ، فَلاَ على قلوبكم ظِلُّ مخافةٍ منهم؛ فإن اللهَ- سبحانه- وليُّ نصرتكم، ومتولِّي كفايتكم؛ إنْ لم تكونوا بحيث نِعْمَ العبيد فهو نِعْم المولى لكم ونِعْمَ الناصر لكم.
ويقال نِعمَ المولى لكم يوم قسمة العرفان، ونِعْم الناصرُ لكم يوم نعمة الغفران ويقال نِعْم المولى لك حين لم تكن، ونِعْمَ الناصر لك حين كنتَ.
ويقال نعم المولى بالتعريف قَبْلَ التكليف، ونِعْم الناصر لكم بالتخفيف والتضعيف؛ يُخَفِّفُ عنكم السيئات ويضاعف الحسنات:
وهواكِ أولُ ما عَرَفْتُ مِنَ الهوى ** والقلبُ لا ينسى الحبيبَ الأَوَّلا

. اهـ.

.التفسير الإشاري:

.قال نظام الدين النيسابوري:

التأويل: قالوا قد سمعنا وما سمعوا في الحقيقة وإلا لم يقولوا لو نشاء لقلنا فإن كلام المخلوق لن يكون مثل كلام الله. ثم انظر كيف استخرج الله منهم عقيب دعواهم {لقلنا مثل هذا} قولهم: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر} ليعلم أن من هذا حاله كيف يكون مثل القرآن مقاله، ولو كان لهم عقل لقالوا إن كان هذا حقًا فاهدنا له ومتعنا به وبأنواره وأسراره {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} لأنه رحمة للعالمين والرحمة تنافي العذاب {إن أولياؤه إلا المتقون}، {ولكن أكثرهم} يعني أكثر المتقين أو {لا يعلمون} أنهم أولياؤه لأن الولي قد لا يعرف أنه ولي {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم} كذلك دأب كفار النفوس ينفقون أموال الاستعداد الفطري في غير طلب الله وإنما تصرفها في استيفاء اللذات والشهوات فستندم حين لا ينفع الندم {ثم يغلبون} لا يظفرون بمشتهيات النفس كلها ولأجلها، والذين كفروا من الأرواح والقلوب التابعة والنفوس {إلى جهنم} البعد والقطعية {يحشرون}، {ليميز الله} الأرواح والقلوب الخبيثة من الطيبة التي لا تركن إلى الدنيا ولا تنخدع بانخداع النفوس {فيركمه جميعًا} فيجعل الأرواح الخبيثة فوق النفوس الخبيثة فيلقي الجميع في جهنم القطيعة {قل للذين كفروا} من الأرواح والقلوب أي ستروا النور الروحاني بظلمات صفات النفس {إن ينتهوا} عن اتباع الهوى {يغفر لهم} يستر لهم تلك الظلمات بنور الفرقان والرشاد.
{وقاتلوا} كفار النفوس {حتى لا تكون} آفة مانعة عن الوصول {ويكون الدين كله لله} ببذل الوجود وفقد الموجود لنيل الوجود وكرامة الشهود والله تعالى أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

ومن باب الإشارة في الآيات: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ولكن الله قَتَلَهُمْ} تأديب منه سبحانه لأهل بدر وهداية لهم إلى فناء الأفعال حيث سلب الفعل عنهم بالكلية، ويشبه هذا من وجه قوله سبحانه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى} والفرق أنه لما كان النبي صلى الله عليه وسلم في مقام البقاء بالحق سبحانه نسب إليه الفعل بقوله تعالى: {إِذْ رَمَيْتَ} مع سلبه عنه {بِمَا رَمَيْتَ} وإثباته لله تعالى في حيز الاستدراك ليفيد معنى التفصيل في عين الجمع فيكون الرامي محمدًا عليه الصلاة والسلام لا بنفسه ولعلو مقامه صلى الله عليه وسلم وعدم كونهم في ذلك المقام الأرفع نسب سبحانه إليه صلى الله عليه وسلم ما نسب ولم ينسب إليهم رضي الله تعالى عنهم من الفعل شيئًا، وهذا أحد أسرار تغيير الأسلوب في الجملتين حيث لم ينسب في الأولى ونسب في الثانية، بقي سر التبعير بالمضارع المنفي بلم في حداهما والماضي المنفي {تَفْرَحُواْ بِمَا} في الأخرى فارجع إلى فكرك.
فلعل الله تعالى يفتحه عليك: {وَلِيُبْلِىَ المؤمنين مِنْهُ بَلاء حَسَنًا} ليعطيهم عطاء جميلًا وهو توحيد الأفعال، والمراد لهذا فعل ذلك {إِنَّ الله سَمِيعٌ} بخطرات نفوسكم بنسبة القتل إليكم {عَلِيمٌ} [الأنفال: 17] بأنه القتل حقيقة وكونكم مظهرًا لفعله {وَأَنَّ الله مُوهِنُ كَيْدِ الكافرين} [الأنفال: 18] لاحتجابهم بأنفسهم {إِن تَسْتَفْتِحُواْ} الآية، قيل فيها: أي تفتحوا أبواب قلوبكم بمفاتيح الصدق والإخلاص وترك السوي في طلب التجلي {فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح} بالتجلي فإنه سبحانه لم يزل متجليًا ولا يزال لكن لا يدرك ذلك إلا من فتح قلبه {وَإِن تَنتَهُواْ} عن طلب السوي {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} لما فيه من الفوز بالمولى {وَإِن تَعُودُواْ} إلى طلب الدنيا وزخارفها {نَعُدُّ} إلى خذلانكم ونكلكم إلى أنفسكم {وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ} الدنيوية {شَيْئًا} مما لخاصته سبحانه: {وَلَوْ كَثُرَتْ} [الأنفال: 19] لأنها كسراب بقيعة {يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال: 20] لأن ثمرة السماع الفهم والتصديق وثمرتهما الإرادة وثمرتها الطاعة فلاتصح دعوى السماع مع الإعراض {وَلاَ تَكُونُواْ كالذين قَالُواْ سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} [الأنفال: 21] لكونهم محجوبين عن الفهم {إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الصم} عن السماع {البكم} عن القبول {الذين لاَ يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22] لماذا خلقوا {وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْرًا} استعدادًا صالحًا {لأسْمَعَهُمْ} سماع تفهم {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ} مع عدم علم الخير فيهم {لَتَوَلَّواْ} [الأنفال: 23] ولم ينتفعوا به وارتدوا سريعًا إذ شأن العارض الزوال وهم معرضون بالذات {مُّعْرِضُونَ يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ استجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} بالتصفية {إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} وهو العلم بالله تعالى، وقد يقال: استجيبوا لله تعالى بالباطن والأعمال القلبية وللرسول بالظاهر والأعمال النفسية، أو استجيبوا لله تعالى بالفناء في الجمع وللرسول عليه الصلاة والسلام بمراعاة حقوق التفصيل إذا دعاكم لما يحييكم من البقاء {واعلموا أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ} فيزول الاستعداد فانتهزوا الفرصة {وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24] فيجازيكم على حسب مراتبكم {واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] بل تشملهم وغيرهم بشؤم الصحبة {واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ} من حيث القدر لجهلكم {مُّسْتَضْعَفُونَ} في أرض النفس {تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ الناس} أي ناس القوى الحسية لضعف نفوسكم {فَآوَاكُمْ} إلى مدينة العلم، وأيدكم بنصره في مقام توحيد الأفعال {وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات} أي لوم تجليات الصفات {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26] ذلك، وقد يقال: واذكروا أيها الأرواح والقلوب إذ كنتم قليلًا ليس معكم غيركم إذ لم ينشأ لكم بعد الصفات والأخلاق الروحانية {مُّسْتَضْعَفُونَ} في أرض البدن {تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ الناس} من النفس وأعوانها {فَآوَاكُمْ} إلى حظائر قدسه {وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ} بالواردات الربانية {وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات} وهي تجلياته سبحانه: {تَشْكُرُونَ يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله} بترك الإيمان {والرسول} بترك التخلق بأخلاقه عليه الصلاة والسلام {وَتَخُونُواْ أماناتكم} وهي ما رزقكم الله تعالى من القدرة وسلامة الآلات بترك الأعمال الحسنة أو لا تخونوا الله تعالى بنقض ميثاق التوحيد الفطري السابق والرسول عليه الصلاة والسلام بنقض العزيمة ونبذ العقد اللاحق وتخونوا أماناتكم من المعارف والحقائق التي استودع الله تعالى فيكم حسب استعدادكم بإخفائها بصفات النفس {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27] قبح ذلك أو تعلمون أنكم حاملوها {واعلموا أَنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ} يختبركم الله تعالى بها ليرى أتحتجبون بمحبتها عن محبته أو لا تحتجبون {وَأَنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 28] لمن لا يفتتن بذلك ولا يشغله عن محبته {عَظِيمٌ يا أيها الذين ءامَنُواْ إَن تَتَّقُواْ الله} بالاجتناب عن الخيانة والاحتجاب بمحبة الأموال والأولاد {يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} نورًا تفرقو به بين الحق والباطل، وربما يقال: إن ذلك إشارة إلى نور يفرقون به بين الأشياء بأن يعرفوها بواسطته معرفة يمتاز به بعضها عن بعض وهو المسمى عندهم بالفراسة.
وفي بعض الآثار: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور من نور الله تعالى» {وَيُكَفّرْ عَنكُمْ} وهي صفات نفوسكم {الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ذنوب ذواتكم {والله ذُو الفضل العظيم} [الأنفال: 29] فيجعل لكم الفرقان ويفعل ويفعل {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ} الآية جعلها بعضهم خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم ومعناها ما ذكرناه سابقًا، وجعلها بعضهم خطابًا للروح وهو تأويل أنفسي، أي وإذ يمكر بك أيها الروح الذين كفروا وهي النفس وقواها {لِيُثْبِتُوكَ} ليقيدوك في أسر الطبيعة {أَوْ يَقْتُلُوكَ} بانعدام آثارك {أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال: 30] من عالم الأرواح {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} لأنك الرحمة للعالين {وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] إذ لا ذنب مع الاستغفار ولاعذاب من غير ذنب {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذّبَهُمُ الله} أي أنهم مستحقون لذلك كيف لا وهم يصدون المستعدين عن المسجد الحرام الذي هو القلب بإغرائهم على الأمور النفسانية واللذات الطبيعية {وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ} لغلبة صفات أنفسهم عليهم {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ المتقون} تلك الصفات {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [الأنفال: 34] ذلك الحكم، وقال النيسابوري: ولكن أكثرهم أي المتقين لا يعلمون أنهم أولياؤه لأن الولي قد لا يعرف أنه ولي {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت} وهو ذلك المسجد {الإمكاء} إلا وساوس وخطرات شيطانية {وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35] وعزمًا على الأفعال الشنيعة {إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أموالهم} من الاستعداد الفطري في غير مرضاة الله تعالى: {لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} طريقه الموصل إليه {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} لزوال لذاتهم حتى تكون نسيًا منسيًا {ثُمَّ يُغْلَبُونَ} لتمكن الأخلاق الذميمة فيهم فلا يستطيعون العدول عنها {والذين كَفَرُواْ} أي وهم، إلا أنه أقيم الظاهر مقام المضمر تعليلًا للحكم الذي تضمنه قوله سبحانه: {إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36] وهي جهنم القطعية {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ} عما هم عليه {يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] {وقاتلوهم} أي قاتلوا أيها المؤمنون كفار النفوس فإن جهادها هو الجهاد الأكبر {حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} مانعة عن الوصول إلى الحق {وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ} ويضمحل دين النفس الذي شرعته {فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 39] فيجازيهم على ذلك والله تعالى الموفق لأوضح المسالك لا رب غيره ولا يرجى إلا خيره. اهـ.